حظر الأذان أم تكريس الكراهية الدينية؟.. تشريع إسرائيلي جديد يُعمّق استهداف الهوية الفلسطينية
حظر الأذان أم تكريس الكراهية الدينية؟.. تشريع إسرائيلي جديد يُعمّق استهداف الهوية الفلسطينية
يتواصل الجدل داخل إسرائيل وخارجها حول مبادرة تشريعية جديدة يقودها حزب القوة اليهودية بزعامة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، تستهدف تقييد رفع الأذان في المساجد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48.
وفق تقرير نشره المركز الفلسطيني للإعلام الاثنين لا يقتصر المشروع، الذي يعاد طرحه بصيغة أكثر تشدداً من محاولات سابقة، على تنظيم استخدام مكبرات الصوت كما يروج له مقدموه، بل يفتح الباب أمام مقاربة أمنية وقانونية تُقرأ على نطاق واسع باعتبارها شكلاً من أشكال التمييز الديني وتعميق خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين المسلمين.
مبادرة تشريعية تعيد فتح الجراح
يستند مشروع القانون الجديد إلى مبدأ الحظر كقاعدة عامة، والتصريح كاستثناء، بما يعني عملياً منع استخدام مكبرات الصوت في المساجد إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الجهات المختصة، ويعمل بن غفير بالتعاون مع رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست على بلورة الصيغة النهائية للمقترح، في خطوة تعكس توجهاً سياسياً وأيديولوجياً يسعى إلى إعادة تعريف الحيز العام في المدن والبلدات الفلسطينية داخل الخط الأخضر.
ويشترط المشروع إخضاع طلبات التصريح لسلسلة من المعايير تشمل مستوى الصوت ووسائل الحد من شدته، وموقع المسجد وقربه من المناطق السكنية، إضافة إلى ما تسميه الجهات المختصة تأثير الصوت على السكان، وعلى الرغم من أن هذه المعايير تُقدَّم باعتبارها تقنية ومحايدة، فإن منتقدي المشروع يرون فيها أدوات فضفاضة تتيح للسلطات تقييد الأذان أو منعه بشكل شبه كامل.
صلاحيات واسعة وغرامات رادعة
يمنح مشروع القانون الشرطة صلاحيات غير مسبوقة للتدخل الفوري، حيث يتيح لأي عنصر شرطة المطالبة بوقف تشغيل مكبرات الصوت عند الاشتباه بخرق الشروط، وفي حال عدم الامتثال، يمكن مصادرة منظومة الصوت بالكامل، ما يشكل ضربة مباشرة لحق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية، كما ينص المشروع على فرض غرامات مالية مرتفعة تصل إلى 50 ألف شيكل في حال تشغيل المكبرات دون تصريح، و10 آلاف شيكل في حال مخالفة شروط التصريح الممنوح.
ويرى حقوقيون أن هذه العقوبات لا تتناسب مع الفعل المزعوم، بل تهدف إلى الردع الجماعي وإثقال كاهل المؤسسات الدينية والمجتمعات المحلية بأعباء مالية وقانونية، بما يدفعها إلى الامتناع عن رفع الأذان تفادياً للملاحقة.
خطاب الضجيج أم خطاب الإقصاء
في تبريره للمشروع، يزعم حزب القوة اليهودية أن الأذان عبر مكبرات الصوت يشكل ضجيجاً مضراً بالصحة وجودة الحياة، وتقول إن القانون يهدف إلى إعادة الهدوء للسكان عبر تنظيم واضح وفعال، غير أن هذا الخطاب يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير، في ظل استمرار مظاهر ضجيج أخرى في الفضاء العام الإسرائيلي لا تخضع للقيود نفسها، مثل الاحتفالات الدينية اليهودية أو الأنشطة السياسية.
ويحذر باحثون من أن استخدام مفهوم الضجيج كذريعة قانونية يخفي وراءه رؤية أيديولوجية تسعى إلى تقليص الوجود العربي الإسلامي في المجال العام، وتحويل الشعائر الدينية إلى مسألة أمنية خاضعة للرقابة والعقاب.
الكراهية الدينية في قلب التشريع
لا يمكن فصل مشروع القانون عن السياق الأوسع لتصاعد خطاب الكراهية الدينية والعنصرية داخل إسرائيل، خاصة في ظل صعود قوى اليمين المتطرف إلى مراكز صنع القرار، فالأذان، بوصفه رمزاً دينياً وثقافياً، يتحول في هذا الخطاب إلى مصدر تهديد أو إزعاج، بدلاً من كونه جزءاً طبيعياً من التعدد الديني والثقافي في المجتمع.
ويؤكد ناشطون فلسطينيون أن استهداف الأذان لا يقتصر على البعد الصوتي، بل يحمل رسالة سياسية وثقافية مفادها أن الهوية الإسلامية غير مرحب بها في الفضاء العام، ويرون أن هذا النوع من التشريعات يغذي مشاعر العداء بين المكونات المختلفة، ويعزز الصور النمطية السلبية عن المسلمين، ما يفاقم مناخ الكراهية ويقوض فرص التعايش.
سياسات ممنهجة ضد فلسطينيي الداخل
يأتي هذا المشروع ضمن سلسلة من الإجراءات والسياسات التي تستهدف فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48، سواء عبر التشريعات أو الممارسات الميدانية، فخلال السنوات الماضية، شهد الداخل الفلسطيني تضييقاً متزايداً على حرية التعبير والتنظيم، إلى جانب محاولات مستمرة لإعادة تشكيل المجال العام بما يتماشى مع رؤية قومية دينية أحادية.
ويرى مراقبون أن مشروع تقييد الأذان يشكل حلقة جديدة في هذا المسار، حيث يتم استخدام القانون كأداة لإضفاء شرعية على التمييز، وتحويله إلى ممارسة مؤسسية، ويشيرون إلى أن فرض آلية ترخيص خاصة بالأذان، دون غيره من المظاهر الدينية، يعكس انتقائية واضحة تقوم على أساس ديني وقومي.
ردود فعل وتحذيرات حقوقية
أثار المشروع ردود فعل غاضبة في الأوساط الفلسطينية وداخل بعض الدوائر الإسرائيلية الحقوقية، التي حذرت من تداعياته على حرية العبادة وحقوق الإنسان، واعتبرت منظمات حقوقية أن القانون، في حال إقراره، قد يشكل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام تقييد شعائر دينية أخرى، وتكرس منطق السيطرة على الدين باسم الأمن والنظام العام.
كما حذر محللون من أن مثل هذه التشريعات قد تؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتوتر، خاصة في المدن المختلطة، حيث يعيش الفلسطينيون واليهود جنباً إلى جنب، ويرون أن استهداف رمز ديني بحجم الأذان من شأنه أن يعمق الإحساس بالظلم والتهميش، ويقوض الثقة بين المجتمع العربي ومؤسسات الدولة.
تعود محاولات تقييد الأذان في إسرائيل إلى سنوات سابقة، حيث طُرحت مشاريع قوانين عدة منذ عام 2016، ركزت في معظمها على تحديد ساعات استخدام مكبرات الصوت، مع استثناءات جزئية، غير أن هذه المشاريع واجهت انتقادات داخلية ودولية، ولم تُطبق بشكل شامل، ويأتي المشروع الجديد في سياق سياسي مختلف، يتسم بتصاعد نفوذ اليمين المتطرف، وتراجع الخطاب الداعي إلى التعددية واحترام الخصوصيات الدينية، ويشكل الأذان، بالنسبة للفلسطينيين في الداخل، أكثر من مجرد نداء للصلاة، إذ يمثل علامة على الوجود والهوية والاستمرارية التاريخية، ما يجعل أي محاولة لتقييده محملة بدلالات تتجاوز البعد القانوني إلى عمق الصراع على المكان والذاكرة والحق في الوجود.










